إن قضية التبليغ واحدة من القضايا الأساسية في الحياة الاجتماعية، وهي لا تختص بحقبة معيّنة دون سواها فالتبليغ الذي عبر عنه القرآن الكريم بكلمات من قبيل البلاغ، والبيان، والتبيين وما شاكلها يدخل في عداد الوظائف المقدسة. وهو من جملة واجبات الأنبياء، والعلماء، والمفكرين، والمصلحين والتبليغ معناه الإيصال. ولكن ما هو الشيء الواجب إيصاله؟ إنه إيصال لتلك الحقائق والمعاني إلى أذهان وقلوب المخاطبين تلك المعاني التي يؤدي الجهل بها إلى الضرر والخسران. وهذا ما يرفع من قيمة التبليغ؛ إذ أن له صفة إنسانية. فالتبليغ الذي أمر به الإسلام، وحرص عليه علماء الإسلام وزعماء الشيعة على امتداد التاريخ له صبغة إلهية ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾1 وهو ذو صبغة إنسانية أيضاً لأنه
حقيقة التبليغ الإسلامي
إن التبليغ الإسلامي من وجهة نظرنا يعني إيصال الإسلام، ويعني إيصال رسالته إلى القلوب وبأي وسيلة أمكننا ذلك، من الوسائل الشريفة، والمتناسبة مع المضمون والمحتوى المقدّس لهذا
8
التبليغ أي التوحيد والإسلام… سواء كانت هذه الوسيلة عبارة عن القول أو العمل وسواء تم ذلك عبر السكوت أو غيره من الوسائل. مهما تكن وسيلة الايصال فإن غرضنا من التبليغ (والاعلام) هو هذا الأمر وليس مفهوم (بروبكندا) الشائع والمتداول في العالم الغربي وفي جميع العالم المادي القائم على الخداع وإظهار غير الواقع الحقيقي للآخرين.
التبليغ والاعلام عبارة عن امتلاك القلوب واحتلالها لا العيون والآذان والجوارح، على العكس مما هو شائع في العالم البعيد كل البعد عن المعنويات إذ أنهم يعتقدون أن الاعلام في الحقيقة هو شيء من قبيل احتلال العيون والآذان والجوارح وايجاد جو يجعل الإنسان لا يستطيع أن يدرك الحقيقة بفكره وقلبه ويلمسها.
إننا لا نعتبر هذا إعلاماً وتبليغاً، بل نعتبره خداعاً ومكراً أما اعلامنا فإنه يتم عبر الحكمة والموعظة الحسنة والأساليب الإلهية والإنسانية3.
“فالتبليغ الديني لا يجزِّئ الحقيقة وإنما يكشفها كاملة، ولو لم يستمرئها المخاطب التبليغ الديني يبيّن الحقيقة كما هي دون زيادة أو نقصان، وبعيداً عن الأهواء والرغبات وبكلمة أخرى: إن المبلّغ الديني يؤدي الشهادة مثل الشاهد الصادق، فيكشف عن الحقيقة ويضعها أمام الأنظار”.
التبليغ هو سبيل الإسلام الأول:
إن الدين الإسلامي هو دين التبليغ، صحيح أننا في الدين الإسلامي المقدس لدينا جهاد من أجل تحقيق الأهداف الإلهية والإسلامية، إلا أن الأصل هو التبليغ والتبيين، فللجهاد فلسفة أخرى، الجهاد لمواجهة الطغاة والظلمة وموانع التبليغ وانتشار نور الإسلام، ومتى ما غاب المانع، أو وجد ولم يكن الجهاد، فإن السبيل الأساس للإسلام هو التبليغ… فلم يُقصَ التبليغ عن حياة المسلمين منذ ألف وأربعمائة عام. لاحظوا أن التبليغ للإسلام عمّ آفاق العالم وحالياً كلما اتجهتم نحو المناطق الواقعة شرق إيران تجدون أغلب المسلمين قد أسلموا بالموعظة والتبليغ والدعوة قبل السيف، ما الذي قاد إلى إسلام كل هؤلاء المسلمين في الصين؟ من الذي دعا سكان ماليزيا