شهر رمضان …. شهر الإرتقاء
الإرتقاء مفهوم واضح ولكن أرتباطه بشهر رمضان لعله مبهم عند البعض ولنفهم حقيقة الإرتباط بين شهر رمضان ومفهوم الإرتقاء كان لابد ان نوضح اشكال
الإرتقاء بالشهر الفضيل لتتضح المسألة
وأول اشكال الإرتقاء هو الإرتقاء اللغوي
عندما نتصفح معاجم اللغة نجد التعدد في آراء اللغويين بعد الأسلام من حيث معنى كلمة رمضان حيث جاء فيها اقوال
فقيل : رمضَ الصائم يرمض أذا حرّ جوفه من شدة العطش
وقيل : سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب
وقيل : لأن القلوب تأخذ من حرارة الموعظة والتفكير في أمر الأخرة
وقيل : أن رمضان من رمضت المكان ، يعني أحتبست؛ لأن الصائم يحتبس فيه عما نهي عنه
أما فيما يخص الشهر قبل الإسلام فأيضاً وردت معاني كثيرة ولا يهمّنا منها الّا شيء واحد هو أن شهر رمضان شهر له وجود وخصوصية قبل الإسلام مع غض النظر عن الصوم كعبادة
ويبدوا من كل المعاني المذكورة أن منشأها هو أرتباط الشهر بعبادة الصوم أرتباطاً وثيقاً في أذهان الناس ولذلك نجدها جميعاً تصب في العبادة التي أشارت بعض المعاني الى خصائصها من حيث حرق الذنوب والموعظة وغيرها .
وهذا المعنى هو الذي قاد الإنسان الى إرتقاء من شكل آخر ألا وهو
الإرتقاء الجسدي ؟
من خلال المعاني التي صيغت لمعنى شهر رمضان وتعلق تلك المعاني في ذهن الناس وجدناه
شهر يختلف عن باقي الشهور من حيث كونه شهر تكثر فيه الحركة الجسدية للإنسان فنجد الكثير من الناس مشغول بالليل والنهار بالعبادة وقراءة القرأن حتى جعل ربيعه هو الشهر الفضيل فضلاً عن التبليغ حيث نجد الكثير من الناس يخرج للتبليغ في هذا الشهر كما و لأعمال الخير من صدقة أو إكساء للفقراء وغيرها من صدقات السر والعلن حيز كبير وكل ذلك عبارة عن حركة جسدية يؤديها الصائم لتقوده الى الإرتقاء بدليل أننا لو أحصينا الحركة الجسدية لكل صائم لوجدنا أنه يقوم بشهر واحد بما يعادل عبادته في عام كامل وعليه فالجسد في شهر رمضان يتحرك وفق الفطرة الألهية نحو الكمال والإرتقاء فيكون آلة ربانية حتى الحركات اللاأرادية كالتنفس والنوم هي حركة كمال وإرتقاء حتى جعلها الله تسبيح وعبادة
كما جاء ذلك بكثير من الروايات
ولكن لابد أن ننتبه الى أنّ هذه الحركة الإرتقائية مسبوقة بإرتقاء يرتبط بالنفس والروح وهو الذي نسميه
الإرتقاء النفسي والروحي ؟
وهو أهم أشكال الإرتقاء فما عداها يكون مرتبط بعالم الدنيا وزوالها مسأله حتمية أما ما يرتبط بالروح فهذا مرتبط بالأخرة ولا زوال يعتريه ومن هنا علينا أن نكثف الأهتمام بالجانب النفسي والروحي ومما لا يعلمه الكثيرون أن الصائم يتمكن ان يصل في هذا الجانب الى مصاف الملائكة بل يتمكن أن يجعل الملائكة تسجد له ولكن عليه أن ينتبه الى شروط الإرتقاء فالصوم عبادة أقرّها الله سبحانه وتعالى في الشريعة الإسلامية وجعل لها شروط وضوابط والبعض قد يراها صعبة أو شاقة ولكن إن نظرنا لها بتمعن نجدها يسيرة على مَن جعل عقله هو الحاكم
فعندما نقول إن الصائم يمكن أن يصل الى مصاف الملائكة لا نبالغ لأنها حقيقة فالملائكة مخلوقات نورانية إن ورد ذكرها في القرآن فنجد التسبيح والتقديس الشغل الشاغل لها فلا معصية عند الملائكة إما الإنسان مع أن الفساد وسفك الدماء صفات رافقت هذا المخلوق ومع ذلك جعل الله سبحانه وتعالى الخلافة له ولم يجعلها للملائكة وما ذلك الّا لقابلية الإنسان للإرتقاء حيث أنه يتمكن أن ينتقل من ساحة الفساد الى الصلاح بسهولة بشرط الطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى وواحدة من أهم العبادت التي تكون مصداقاً للطاعة هي الصيام فمنافذ الفساد معروفة وهي الشهوة والغضب
فأما الشهوة فتتمثل بالإكل والجماع وابوابهما مغلقة بوجه الشيطان في نهار الصوم وإما الغضب إن كان لله فهو أمرٌ محمود وإن كان لغيره فهو مذموم وقد أكدت الشريعة على تجنبه وشددت عليه في فريضة الصوم من خلال الصبر ولهذا ورد في القرأن الكريم أن الصوم قد ذكر بعنوان الصبر
بقوله تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) فالصبر في الإية المباركة هو الصوم
وهذا المنفذ مغلق ايضاً بوجه الشيطان فلم يبقَ للصائم سوى العقل فبه يتحرك وبه يهذب النفس ويقيها من الشيطان مع القدرة الهائلة للشيطان على الإنسان من خلال وسوسته ولكن مع كل تلك القدرة فالصائم قادر على يجتازها وهنا الإرتقاء الحقيقي للنفس فالصيام فريضة جعلت من الإنسان ملك وكلما ازداد في تهذيبها وكان عاملاً بكل شرائط الصوم كلما ارتقى اكثر واكثر وكان أقرب من الله سبحانه وتعالى ومن هنا نفهم إن شهر رمضان هو شهر الإرتقاء الحقيقي للأنسان فعلينا أن نكون أهلاً لذلك الإرتقاء
فنحن في ضيافة ألهية أقرها الله لنا لنرتق
والدعوة للجميع
لنكون ملائكة الله في صورة إنسان