** طوعة ( موقف وتأريخ ) **
امرأة نتمنى ان يحذو حذوها كثير من النساء فلم تكن من المعصومات ولم تتربى في بيوت العصمة ولم تتزوج من معصوم لكنها تملك ولاءً حقيقياً لاهل بيت العصمة (ع) ولم تملك سوى موقف مع سفير الحسين (ع) مسلم بن عقيل (ع) أول شهداء واقعة الطف الأليمة فهي امرأة عادية كل ما تملكه هو الولاء لأهل البيت (ع) ولم يكن موقفها من فراغ بل كان نابعاً من ذلك الولاء الحقيقي والصادق لأهل بيت النبوة
فلو تَصفّحنا في حياةِ هذه المرأة قبل إستشهاد مسلم بن عقيل (ع) فلن نجد سوى ولاءً عانى الأمرِّين من مبغضي آل النبي فقد كانت جارية عند الاشعث بن قيس ثم تزوجها ولكنّها انفصلت عنه بسبب بغضه لآل النبي ثم تزوجت ب أسيد بن مالك وهو أيضا كان مبغضا لآل البيت وقد أنجبت منه ولدها بلال الذي ورث من ابيه البغض ونتيجة لبغض زوجها طلبت الأنفصال عنه ولكنّه رفض وكان يعاملها معاملة قاسية لولاءها وحبها لأهل البيت (ع) هذه حياة هذه السيدة قبل استشهاد مسلم (ع) فقد كانت حياة قاسية جدا
أما الموقف الذي خلّدها في التأريخ فلو توقفنا عنده سنجده موقف عكس أروع صور الإيمان والعفاف والكرم والشجاعة .
فلقد كانت تنتظر ولدها وكان مسلم واقف على بابها بعد أن إنقطعت به السبل وتخلّى عنه أهل الكوفة ولم يكن من هذه المرأة الا أن تسأل عن سبب وقوفه وما ذلك الّا لأن بيوت المؤمنين عورة وليس من شيم المسلمين الوقوف على ابواب الناس ولا يخفى هذا الأمر عن مسلم بن عقيل (ع) ولكن لم يكن هناك بد فما كان منه الّا أن يطلب الماء ليشرب فجلبت له الماء وبعد أن أتم شربه بقى واقفاً فهنا الأمتحان الولائي الحقيقي فمسلم (ع) لم يفصح عن شخصيته في أول الموقف الّا بعد عدة إختبارات لولاء هذه المرأة فبعد أن رأته مازال واقفاً على بابها رسمت للعفاف صورة جميلة فقالت لا أُبح لكَ الوقوف على بابي ولا أُحلّه لك وهنا بدأ مسلم (ع) بالافصاح عن شخصيته بشكل غير مباشر فقال لها ليس لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ثم عرض عليها عرضاً كان بإمكانها ان ترفضه وترتاح خصوصا وانها عاشت حياة مؤلمة ولكن الإيمان الحقيقي يأبى الّا يَدخل في تجارة مربحة مع اهل البيت (ع) فقالت له وما هو فكان طلبه أن تأويه في بيتها ويكافئها وأفصح عن شخصيته فقال لها أنا مسلم بن عقيل (ع) وهنا بدأ مشهد الشجاعة والكرم فوافقت وآوته تلك الليلة واكرمته بحسن الضيافة رغم صعوبة الموقف لكن سرعان ما عاد ولدها وكان كأبيه وبعد أخذ المواثيق عليه بإن لا يشي بمن في الدار قام بالوشاية عن مكان مسلم بن عقيل (ع) والقي القبض عليه وحصل ما حصل
فهذا الموقف النبيل قد خلّد هذه المرأة في التاريخ حتى اقترن اسمها بذكر شهداء الطف
أما ما جرى بعد هذه الواقعة ولعل الكثير لا يعلم عنه شيء
فقد أصدر ابن زياد أمر بالقاء القبض عليها وتهديم دارها وجيء بها مكبلة الى ابن زياد فسألها هذا الطاغية ماالذي دعاك لإيواء مسلم بن عقيل (ع) فأجابت كيف لا آوي ابن عم الرسول (ص وآله) فقال لها إنهم خوارج فأجابته بكل جرءة وإيمان وشجاعة إنهم أئمة الدين والخارجي انت وابيك فأمروا بحبسها وظلت السيدة طوعة في السجن حتى تدخّل احد اقاربها الذي كان من مؤيدي ابن زياد الملعون وبعد خروجها تمرضت بمرض شديد فارقت الحياة بسببه
فكانت إمرأة لا تملك سوى موقف مشرف عكس ولاءً وعفة وشجاعة وكرم وما ذلك الا لإيمانها الحقيقي بقضية الامام الحسين (ع)
تلك المرأة التي قل ان نجد مثيلها في التأريخ
تلك المرأة التي خلّدت نفسها من موقف
تلك المرأة التي اعطتنا اروع درس بالولاء والعطاء
هي طوعة التي كان لها موقف فكان جزاء موقفها هو التخليد
✏️بقلم / وجدان الشوهاني