لذلكَ العالم العلوي امتدتْ الأبصارُ ، وارتفعتْ الآيادي طلباً للعفو والمغفرة، وابحرَ المذنبون بسفن الرجاء إلى سماوات الرحمة الإلهية ملطخين بالخطايا والآثام تفوحُ من حسراتهم رائحة الندم على ما فرّطوا من سني حياتهم الدنيا، ينشدون السماء غيثاً يُطهّر ما لوّثته الشرور في داخلهم، ويجتثّ من الجذور ما زرعتهُ الأمنيات الزائفة في قلوبهم ، ساجدون على بساط الاعترافِ والانكسارِ يجهشون بالبكاء والنحيب ولسان حالهم يقول: أيا رباه كم كنّا نُمنِّي النفس لنكونَ الإنسان الذي تريد ولكن دون جدوى كلّما أمسكنا بحبلِ نجاةٍ ونحن على هاوية الطريق أفلتنا الآخر لتاخذنا طرق الضياع من جديد الى اعماق متاهاتها !
أيا رباه ها نحن اليوم نقرُّ بالذي ابعدنا عنك واوصلنا لهذا الحال من التخلي عن قوانينك السماوية حتى تسلّطت علينا جيوش الشهوات وغرقنا في وحل الماديات !
إلهنا ومولانا إن القلوب عطشى إلى ماء نظرتك فانظر لنا وتلطف بنا فإنّك أهلٌ للعفو والإحسان والمغفرة، نحن النادمون، نحن الحيارى نحن الذين احرقنا الخليل حينما تعرض لأصنام اهوائنا، نحن الذين أدمينا قلب الحبيب حينما جاء ليهدم جبال جهلنا وتعصبنا، نحن الذين لم نبنِ بيوت قلوبنا ببنيانٍ رصين حتى جرفنا طوفان الأهواء بعيدا عن الحق والحقيقة فأنزلَنا منازل الوضيعين وأجلسَنا مجالسَ المتمردين !.
يا رب وها نحن على ابواب شهرك الفضيل الذي انزلتَ فيه آياتك الواضحة بالبيان و المكلّلة بالحجة والبرهان، فإنَّ لك مع العباد فيه نظرة أخرى شملت من ألطافك ورحمتك الكثير حين دعوت جميع خلقك من المطيعين والعاصين في رحاب قدسك وضيافتك، وحين فتحت أبواب السماء لتنثرَ البركات وتُضاعف الحسنات وقد باركت بموائد المساكين،و قيّدت بسلطتِك الشياطين وشملت بعطفِك المجرمين، ونحن نرجوا شمولنا بتلك النظرة الرحيمية لنولد بفجر جديد في اول فجر من شهرك الفضيل، وها هو صوت رسولك الأكرم (صلى الله عليه واله ) ما زال مدويا لليوم يطرق مسامع المستيقظين في استقبال هذا الشهر العظيم قائلا: (( أيها الناس إن أنفسكم مرهونة باعمالكم ففكوها باستغفاركم وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم واعلموا ان الله أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين وان لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين )).
واخيراً اقول لكم احبتي:
كما إنّ للهِ في هذا الشهر الجليل نظرة اخرى كذلك فإنّ لنا فيه فرصة أخرى فلا نضيعها من أيدينا لأن الفرص تمر مر السحاب ولنكثر من تلاوة القرأن المجيد والاستغفار والتسبيح ولنجعل لكل يوم من إيّام شهر رمضان المبارك حصة من الصلوات المحمدية فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
(( ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقّل الله ميزانه يوم تخف الموازين)). هذا ونسأل الله الواحد الأحد أن يمنَّ علينا بالرضا والفلاح ويقدم لنا مسببات التوفيق والنجاح في الدين والدنيا وان يعجّل في ظهور ولي أمرنا ومنقذنا الإمام المهدي روحي وارواح العالمين له الفداء والحمد لله رب العالمين.
بقلم المبلغة: نورا هاشم
فرع القرنة.