السيدة خديجة وظلم التأريخ
قراءة تحليلية
لا يخفى على كل متصفح للتاريخ الإسلامي مدى التحريف والدس والتزوير الذي يؤطر صفحات تاريخنا الإسلامي منذ شهادة الرسول ص والى يومنا هذا ، ولاسيما في سيرة الرسول واهل بيته ع ، وأنه قد رصدت الأموال والطاقات المادية والبشرية وفق أجندات ممنهجة يقودها الخلفاء وأصحاب السلطة والنفوذ وطلاب الدنيا بالتعاون مع اليهود وأعداء الإسلام للحط من مكانة الرسول واهل بيته وتشويه سيرتهم وتراثهم القيم، ولم تسلم السيدة خديجة زوج الرسول من ذلك التشوية والتسقيط.
ولكن أكثر ما يحز في النفس ويدمي القلب ان يشارك شيعة أهل البيت من أصحاب العلم والثقافة في الترويج لهذه السيرة المشوهة ومحاولة اثباتها وكأنها حقائق واقعية من خلال مؤلفاتهم ومقالاتهم ومحاضراتهم المنبرية، فيكونون مصدر أذى وألم لرسول الله واهل بيته من حيث لا يعلمون.
واود التطرق لبعض مايمكن ملاحظته وتحليلة فيما ذكر من سيرة السيدة خديجة ع فيما يخص عمرها وقصة زواجها برسول الله وعملها بالتجارة وقصة وصيتها حين وفاتها:
١) أغلب مصادر سيرتها هي من كتب أبناء العامة كالسيوطي وابن عساكر وابن هشام والترمذي وغيرهم
٢) الإثبات السندي: سند الروايات الحاكية عن سيرتها لا تثبت أما لعدم وثاقة الرواة وضعفهم أو لكونها روايات مرسلة لا سند لها .
٣) مضامين الروايات لاتصمد امام التدقيق العقلي والشرعي أما لشمولها الكذب على رسول الله ص ، أو لتناقضها كما سيأتي.
٤) تضمن الروايات أكاذيب واضحة مثل كون الرسول لديه رداء خاص يلبسه عند نزول الوحي وقد طلبت السيدة خديجة ذلك الرداء ليكون كفنا لها، مع أن الوحي لم يكن لنزوله زمن ووقت محدد فقد كان ينزل على الرسول ليلا أو نهارا في الحضر أو السفر ، في شتى الاوقات والازمنه ومع اختلاف الحالات والامكنه.
٥) تناقض بعض الروايات بينما نجد روايات تظهر السيدة خديجة في أعلى مستويات الجرأة بحيث تعرض نفسها على الرسول بشكل مباشر وتخبره برغبتها به بكل صراحة وتطلب منه نكاحها وهو رجل غريب عنها لم يمضي إلا لوقت قصير لمعرفتها به ، وإذا بها بعد ٢٥ سنة من الزواج وهي شريكة دربه ونضاله تستحي ان تطلب منه رداءه ليكون كفنا لها وترسل ابنتها الزهراء ذي الخمس سنوات لتطلب ذلك عن لسانها ،كما تذكره رواية أخرى، مع أن المورد لايقتضي الحياء والخجل من امرأة تلفظ اخر انفاسها وتستعد للرحيل عن شريك حياتها.
٦) تعمد إهمال الروايات الصحيحة المقابلة وترجيح الروايات الخاطئة بدون اي مرجح عقلي او شرعي يقتضي ذلك. فمثلا مع وجود روايات تذكر أن عمر خديجة عند زواجها كان ٢٥ سنة أو أقل تهمل هذه الروايات وترحج الروايات التي تدعم الرأي القائل بأن عمرها ٤٠ سنة أو أكثر مع ان هناك مرحجات عقلية تاريخية تثبت استحالة ذلك بمقارنة تاريخ مولد الزهراء ببلوغ خديجة ع سن اليأس.
٧) محاولة إثبات أن السيدة خديجة تمتع بالجرأة الممقوته وعدم الحياء من خلال عملها بالتجارة والتعامل مع الرجال الأجانب، أو من خلال عرض نفسها على الرسول وطلبها نكاحه.
٨) تصوير السيدة خديجة وكأنها امرأة عاشقة تتحيل الفرص للظفر بمحبوبها بأي وسيلة، فمرة ترسل إليه وتعرض نفسها عليه ،ومرة ترسل اختها هالة لتحدث عمار بن ياسر بحب ورغبة خديجة بالرسول ليكون عمار وسيطا لاقناع الرسول بالزواج منها ، ومرة تبوح بسرها لصديقتها نفيسه اخت الصحابي يعلي بن أمية وتحكي لها عن تفكيرها المتواصل بالرسول ورغبتها به فتتحايل نفيسة للوصول للرسول وتطلب منه القبول بنكاح خديجة.
٩) تصوير إيمان السيدة خديجة بمستوى متدني وخوفها من القبر والعذاب الاخروي ،مع أن خديجة من أهل بيت لم يعبدوا الله خوفا من ناره ولا طمعا بجنته وانما عبدوه حبا له لانه أهل للعباده، ومن يكون إيمانه بهذا المستوى لا يخشى القبر والعذاب بل يكون جل همه عدم أعراض المحبوب عنه ، ( فهبني صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك)
١٠) ان الهدف والغاية من ذكر سيرة السيدة خديجة بهذا الشكل والتنقيص من قيمتها إنما لأجل رفع شأن غيرها من زوجات الرسول ، فكبر سن خديجة يرفع من شان صغر سن غيرها عند زواجها بالرسول ، وإثبات جرأة خديجة وعدم خدرها يرفع من خدر وحياء غيرها ممن كانت تحكي عن حمل رسول الله لها على كتفه كي ترى الناس من بعض فتحات الباب.
ومن هذا المنطلق لابد من دراسة تاريخ اهل البيت ع دراسة واقعية وموضوعية ولا نكون كالببغاء التي تردد ما يقال على اسماعها.
والحمد لله رب العالمين .
بقلم : إبتسام الحميداوي