لاتبديل لكلمات الله
اللهم بارك لي في الموت … جملة أكثر من قولها الإمام علي ابن ابي طالب عليهما السلام في هذه الليالي والأيام.
الموت سنة الحياة المتجددة من لدن حكيم خبير، … في نظرة من الثقلين……
قال عز من قائل{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} سورة الملك ¤ ٢ ، هل الموت مخلوق؟! ولماذا تقدم ذكر الموت على الحياة؟
الموت على ما يظهر من تعليم القرآن الكريم انتقال من نشأة من نشآت الحياة إلى نشأة أخرى… استفادة ذلك من قوله سبحانه{نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على ان نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لاتعلمون} الواقعة ٦٠-٦١ ¤ ، فلا مانع من تعلق الخلق بالموت كالحياة لأن الانتقال من عالم إلى آخر أمر وجودي،
على أنه لو اخذ عدميا كما عند العرف فهو عدم ملكة الحياة وله حظ من الوجود يصحح تعلق الخلق به كالعمى من البصر والظلمة من النور، وقد تقدم ذكر الموت على الحياة في الآية الكريمة لان الموت كان في حقيقته قبل الحياة، وقيل قدمه لأنه اقدم؛ لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه.
ويضرب مثال لتوضيح ذلك: هل يستطيع أحد أن يضع في التربة بذرة(حية) خضراء ثم يدعي انها ستنبت وتخرج منها حياة؟ كلا، لابد ان تموت هذه البذرة اولا، ثم تخرج منها الحياة ثانيا، ونلاحظ هذا الترتيب في خلق الموت والحياة يتكرر في قوله تعالى{يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} الروم ١٩¤ ، ولايوجد في القرآن الكريم تقدم خروج الميت من الحي، على فهم ان كل مخلوق حي آت من مخلوق آخر اسمه الموت.
اشار أمير المؤمنين عليه السلام الى ذلك بقوله؛ [فالموت خلق من خلق الله، وما من خلق إلا وفي ايجاده حكمة بالغة]، وقال عليه السلام [أيها الناس، انا خلقنا واياكم للبقاء لا للفناء، ولكنكم من دار الى دار تنقلون، فتزودوا لما انتم له صائرون إليه وخالدون فيه،والسلام ]،
وقال الحسين عليه السلام لأصحابه يوم الطف [..فما الموت إلا قنطرة يعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسطة، والنعيم الدائمة، فإيكم يكره أن ينتقل من سجن الى قصر..].
ونريد أن نسمع-لعلنا نعقل- اخبار الانتقالة التي يكثر الإمام الدعاء بأن تكون مباركة – اللهم بارك لي في الموت – إنها انتقالة المؤمنين المباركة
يرويها لنا الثقلان؛ قال تعالى{الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } النحل ¤ ٣٢ ، يقول السيد في الميزان هو تفسير للمتقين في اخر الآية التي قبله {جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين} ¤٣١ النحل،
المتقين الذين وصفهم الأمير عليه السلام في الخطبة المعروفة بالمتقين حيث طلب همام منه عليه السلام قائلا: صف لي المتقين كأني انظر إليهم،……من ضمن ما وصفهم عليه السلام[ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر ارواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا الى الثواب وخوفا من العقاب]، وعند انتهاء كلام الأمير، صعق همام صعقة كانت نفسه فيها،
وقد سئل الامام الحسن عليه السلام ما الموت الذي جهلوه؟ قال : [أعظم سرور يرد على المؤمنين اذا نقلوا عن دار النكد الى نعيم الأبد.. ]،
ومن دعاء السجاد عليه السلام عند ذكر الموت[حتى يكون الموت مأنسنا الذي نأنس به، ومألفنا الذي نشتاق إليه، وحامتنا التي نحب الدنو منها]، وذلك لان الموت حقيقته الانتقال عن مضيق الزمان الى عالم الدهر، والانصراف عن دار الغربة العارضة الى الوطن الطبيعي المألوف، والمهاجرة من ديار الوحشة الى دار البهجة والكرامة،
قيل للامام الصادق عليه السلام: صف لنا الموت،فقال؛ [للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه وينقطع التعب والألم كله عنه…]
وعن ابان ابن عثمان، عن عقبة، أنه سمع ابا عبد الله عليه السلام يقول؛ إن الرجل اذا وقعت روحه في صدره رأى، فقلت جعلت فداك وما يرى؟، قال؛ رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول له؛ انا رسول الله ابشر، قال ثم يرى علي ابن ابي طالب عليهما السلام فيقول؛ انا علي ابن ابي طالب الذي كنت تحب أنا انفعك اليوم، قال: قلت له؛ أ يكون احد يرى هذا ثم يرجع إلى الدنيا؟ قال؛ إذا رأى هذا ابدا مات وأعظم ذلك. قال وذلك في القرآن قول الله عز وجل{الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لاتبديل لكلمات الله}يونس ¤ ٦٤ .
نسأل الله سبحانه أن يبارك لنا ساعة الموت ويرينا رسول الله محمد واله الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الكرام.