المؤهلات الجوهرية لِاغتنامِ ليلةِ القدر
بقلم: أنعام العبادي
——————————–
قال بعض المفسرين: إنّ جملة “وما أدراك” وردت في القرآن الكريم لبيان أهمية الحقيقة التي تُذكر بعدها، وقوله (تعالى): “وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ”(١) كناية عن عظيمِ منزلة ليلة القدر.
والله (سبحانه) كريم يعمُّ الجميع بكرمه، والإقدام على هذه الليالي أشبه بالإقبال على بحرٍ من الغنائم والفضائل والخيرات، وكلُّ شخصٍ يأخذ منه على قدرِ إنائه، وهذا الإناء يتسع ويضيق بقدرِ المؤهلات التي يوفرها الإنسان، والتي تتماشى مع عظمةِ هذه الليلة، فمن سعادة المرء أنْ يوفق لوضعِ استراتيجية لنيلِ بركاتِ هذه الساعات، وهذه المؤهلات تتمحور حول المطالب الآتية:
١-أولُ المفاتيح لنيل المطالب، معرفةُ الله (سبحانه)، فقد روي أنّه قال قومٌ للإمام الصادق (عليه السلام): “ندعو فلا يُستجاب لنا، قال: لأنكم تدعون من لا تعرفونه”(٢).
٢- إنَّ الملائكة والروح والإيفاد الرباني لكلِّ أمرٍ تتنزل على الإنسان المعصوم في كلِّ عصر، فهو من لديه القابلية لاحتواء هذا التنزيل العظيم، وهذا يعني أنَّ التنزيل يكون على قلب ولي الله الأعظم (عجل الله فرجه الشريف).
وأهمية هذا المطلب جوهرُ ليلة القدر، فكمالُ إيمان أيِّ إنسانٍ يكون بمقدار ولائه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وخليفته في كلِّ زمان، فلا بُدَّ من الاتصال بالمنبع الذي تنتهي جميع روافد الرحمة الإلهية إليه، ففي الحديث: “وأكمل ذلك بابنه القائم رحمة للعالمين”(٣).
٣- أنْ يلتمس هذه الليلة بنفس الهمة العالية في جميع الليالي الثلاث، فهو سهلٌ يسيرٌ، وقد جاء في الحديث إنَّ لكلِّ ليلةٍ من هذه الليالي الثلاث فضيلة، روي عن الإمام الصادق(عليه السلام ): “التقدير في ليلة تسع عشرة، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين”(٤)
٤- من أراد أنْ يُحدد مصيره في هذهِ الليلة عليه أنْ يضع خطتين ويؤهل نفسه لتطبيقهما:
الخطة الأولى: برنامج لِما يريد أنْ يؤديه من أعمال عبادية بوعيٍ وخشوع.
والخطة الثانية وهي الأهم: أنْ يطلب من الله (سبحانه) تحقيق الأمور المصيرية، ولا يُركِّز على أمور ثانوية، ومن جملة تلك الأمور:
١- أنْ يسأل الله (تعالى) الكرامة للعقل، فالقيام بالأمور بتعقل يمنح الإنسان الاتزان وسهولة الحياة.
٢- أنْ يطلب من الله الثبات على الإيمان واليقين والرضا، ليشعر بالسكينة ويصرف ذهنه عن طلب ما هو غير مخلوق للدنيا وهي الراحة، روي أنَّ قوما سألوا الإمام الصادق (عليه السلام ):”متى يجد عبدٌ الراحة؟ فقال (عليه السلام): عند أول يوم يصير في الجنة”(٥)
٣- أنْ يطلب الحوائج الدنيوية من مالٍ وسكنٍ وزواجٍ وذريةٍ وغيرها من الحوائج المشروعة بما يخدم الأمور المعنوية المهمة، مثلًا أنْ يطلب من الله أنْ يمنحه الغنى دون أنْ يطغى وغيرها.
بهذه المؤهلات يمكنْ أنْ ينهل المؤمن من هذه الليالي الخير الوفير، مما يجعله قويًا متزنًا في الحياة الدنيا وينال الفوز العظيم في الأخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- سورة القدر/ آية(٢)
٢- بحار الأنوار/ العلامة المجلسي/ج٩٠
٣-أصول الكافي/ ج١
٤- تفسير نور الثقلين/ عبد علي الحويزي/ج٥
٥-ميزان الحكمة/ محمد الريشهري/ ج٢