لا تقطع سفرك
سفر هو عند الله تعالى من أعظم الاسفار وقد دعينا فيه لضيافة الرحمن نتزود من فيض موائده القدسية خلال الثلاثين يوما، حيث سمو الأرواح وعروجها إلى عالم الملكوت، سفر أزاح عن كاهلنا ثقل الذنوب التي لطالما أخرجتنا من عالم الحق والمعنى الى عالم الوهم والمادة، فالسعيد من نال الأجر العظيم والمنزلة الرفيعة عند مليك مقتدر، والشقي من بقى في دائرة عيشه المحدود فكرا ونظرة وعملا!
ولكن ذكّر عسى أن تنفع الذكرى أنك أيها الإنسان حاول ألّا تقطع سفرك،واعمل جاهدا في الحفاظ على جوهرتك الثمينة بما وفقت في هذا الشهر الفضيل من أعمال خيّرة، وإياك والتفريط فيها عبر ظنك وما يسول الشيطان لك أن السفر الى الله هو في هذا الشهر فقط وباقي الأشهر تركن الى اهواء نفسك وتعود الى ما يلوث داخلك من ضياع للوقت واستخفاف للصلاة وتجاهلا لكتاب الله تعالى وهتك للأعراض واغتياب للآخرين وغيره، فلقد زودك العلي الأعلى بطاقة من نور ضعف ما تتزود فيه في بقية الأشهر، طاقة تكفي لتهبك ملكة التقوى والتمسك بحبل الله المتين وقوانينه الحقة والإبتعاد عن المحرمات ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء، شرط الالتفات والمواظبة والمراقبة لنفسك ألّا تخونها وألّا تجعلها لقمة سائغة في فم إبليس اللعين وجنوده فتقودك إلى طرق مظلمة وتجرك للضياع والركض خلف الدنيء من العمل! ولا ننسى قوله تعالى في الاية السادسة والأربعين من سورة فصلت: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» فنحن صنائع أنفسنا بما وهبنا الخالق من أدوات إن سخرناها في الحق تكاملت عقولنا وارتقت أرواحنا الى سماوات ملكوته سبحانه، وإن سخرناها في الباطل وصلنا الى تلك المرحلة التي وصف الله بها الغافلين بأنهم أضل من الأنعام سبيلا!، فلا نقطع سفرنا هذا ولنجعله موصولا ما دامت الحياة فينا، ولنتصل بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه واله ومدرسة عترته الطاهرة لنرتشف النور العظيم والاسرار المكنونة والمواعظ المخزونة التي تنير قلوبنا وتاخذ بأيدينا إلى بر الأمان، ومن بين جم المواعظ اذكر موعظة على لسان قيس بن عاصم حيث يقول: وفدت مع جماعة من بني تميم الى النبي صلى الله عليه واله فقلت: يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع بها فإنا قوم نعقر في البرية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: « يا قيس إن مع العز ذلا، وإن مع الحياة موتا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيء حسيبا، وعلى كل شيء رقيبا، وإن لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، ولكل أجل كتابا، وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت میت، فإن كان كريما أكرمك، وإن كان لئيما أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش الا منه، وهو فعلك».
وأخيرا أقول لي ولكم اخوتي واخواتي في الله أن من فاته من أجر وتوفيق الشهر الفضيل فلا يقنط وليستعد متى ما شاء للسفر إلى الله شرط ألا يسوّف في الأمر ويؤجل سفره اليوم تلو الآخر حتى يعيش الغفلة ويأتي أجله وهو لا يشعر! ويكون من المتحسرين النادمين كما جاء في سورة مريم قوله تعالى: « وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ » هذا وأسأل الله الواحد الأحد لنا جميعا أحبتي قبول الأعمال ورفعة المنزلة ودوام المغفرة و أن يجعل ألسنتنا بذكره معمورة وقلوبنا بمحبته موصولة، وأن لا يحرمنا سبحانه من عروج أرواحنا إلى رحاب قدسه، وان لا يقطع عنا فيض نعمه وواسع رحمته، وان يوفقنا لنصرة وليه وحجته على الأرض الإمام محمد بن الحسن المهدي روحي وأرواح العالمين له الفداء وأن نُرزق برؤية طلته البهية بحق محمد وال محمد عليهم صلوات الله وسلامه.
بقلم المبلغة /نورا هاشم