المرجع اليعقوبي: السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والوعد بالفتح
الخميس: 3 جمادى الثانية 1446هـ
5/12/2024
ألقى سماحةُ المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) خطابه الفاطمي السنوي في الآلاف من زوار الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في ساحة ثورة العشرين الذين وفدوا الى النجف الاشرف بمناسبة ذكرى استشهاد سيدة نساء العالمين السيدة الزهراء (عليها السلام).
وأكد سماحتُهُ في خطابه الموسوم بـ (السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والوعد بالفتح) وفي ضوء الآية الكريمة {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج: 6-7]
إنّ الآية الكريمة قد تضمنت التسلية والمواساة للنبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله) والتطييب لقلبه وتخفيف لآلامه التي كان يتجرعها من مشركي قريش، كما إنها تحمل معنى التهديد والوعيد لأعداء الإسلام من نهايتهم المخزية والبائسة في الدنيا والآخرة، فهي تقول للنبي (صلى الله عليه وآله): إن يوم القيامة الذي نقتص فيه من أعداء الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) والإنسانية، يراه هؤلاء بعيداً، أي يعتقدون بأنه بعيدٌ عن الواقع وغير ممكن بحكم عقولهم القاصرة وأنه لا وجود له؛ إذ كيف يُبعث الإنسان من قبره بعد أن يتلاشى جسده في القبر ،وهم كذلك يرونه بعيداً زماناً أيضاً ، فهو عندهم بحكم العدم، لكنهم في قرارة أنفسهم يعترفون به، ولا يستطيعون نفيه وهذا ظاهر من زعمهم أن آلهتهم ستشفع لهم {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18].
و أوضح سماحته (دام ظله) أن ألله تعالى يُطمئِن نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله) من خلال الآيات الكريمة بأننا نرى يوم القيامة واقعاً حتماً بلا ريب، وأن وقوعه قريبٌ لحكم العقل والفطرة السليمة لأنه مقتضى العدالة وإنصاف المظلوم من الظالم، لافتاً إلى سرعة تحقق وعد الله تعالى فيهم، فقد قتل الله تعالى صناديد قريش وطغاتها في معركة بدر، بل إنهم يتعذبون بالنار التي أججّوها بظلمهم ومعاصيهم وهم في دار الدنيا {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49]، أي الآن وليس أنها ستحيط بهم يوم القيامة فقط {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] فأيَّ وعد يتشبثون به ويخدعون به أنفسهم؟
و أشار سماحته (دام ظله) أن الآية الكريمة ضمن سياق الآيات السابقة عليها {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] التي دلت الروايات على أنها نزلت في المعترضين على تنصيب النبي (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) خليفةً من بعده وولياً لأمر الأمة في يوم الغدير، وعلى هذا فالآيات الكريمة تتوعد الذين أنكروا ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام ) بالعذاب القريب، موضحاً أن للآية الكريمة معنى أوسع من هذا يقوّي إيماننا ويربط على قلوبنا ويعيننا على كل ما نلاقيه في حياتنا، وهو أن كل مشكلة تحصل لنا، مما يتعلق بالمستوى الشخصي أو الكوارث العامة التي تعاني منها الأمة، والتحديات المعقدّة التي تواجهها، وترى أنها مستعصية على الحل، فعليك أن تتذكر هذه الآية الكريمة حينئذٍ وتستحضرها في وجدانك ليعود إليك الأمل والاطمئنان، فإنها تعدك بأنَّ العقدة ستحلّ، والخطر سيزول، ويتحول الفشل إلى نجاح وسيأتي الفرج بأقرب ما يكون ومن حيث لا تحتسب، وما عليك إلا حسن الثقة بالله تعالى والاستعانة بالصبر الجميل ،و على هذا الفهم فإن ضمير (هم) في {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ} يعود إلى المؤمنين، وبذلك تؤسس الآية الكريمة قاعدة عامة توجّه سلوك المؤمن، وتجعل قلبه مفعماً بالأمل والانشراح، وتجعله مندفعاً نحو العمل الإيجابي المثمر المبارك، فلنستفد منها في كل شؤون حياتنا.
وأكد سماحته (دام ظله) أن السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد وعت هذه الحقيقة القرآنية، لذا وقفت متحدية طغيان القوم لتحذرهم من مغبّة ظلمهم وعدوانهم وانقلابهم على تعاليم الدين ووصية رسول الله (صلى الله وآله)، وأن هذه النهاية التي يرونها بعيدة هي قريبة منهم وتراها السيدة الزهراء (عليه السلام ) رأي العين، ومما قالت (فدونكموها فاحتقبوها باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون)، وسرعان ما حلّ بهم ذلك، وكانت البداية ضياع دينهم وآخرتهم وانحرافهم عن شريعة الله تبارك وتعالى.
وفي ختام خطابه قال سماحتُهُ (دام ظله) – مبشراً المؤمنين حسب ما جاء في الآية المباركة – إن الباطل والظلم والعدوان مهما تفرعن وتجبّر وطغى، وظنّ بعدم وجود من يردعه فإن نهايته قريبة وغير متوقعة، استشهد سماحته بقصة موسى( عليه السلام )وأصحاب الكهف و كيف حصل لهم النجاة من حيث لا يتوقع اعداؤهم ، وهكذا يوم الظهور الميمون لإمامنا المهدي (عليه السلام) مهما رأوه بعيداً عن التصور ومستحيلاً فإنه قريب وسينعم برؤيته وإتباعهِ المؤمنون، وسيشرق نوره على الأرض كلها، وهو ما ورد في دعاء العهد (اللهُمَّ اكشِف هذِهِ الغُمَّةَ عَن هذِهِ الاُمَّةِ بِحُضُورِهِ وَعَجِّل لَنا ظُهُورَهُ إنَّهُم يَرَونَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) .