__
تصفّحتُ في كتاب الصبر ، فاستوقفتني حكاية .
أحداثها مؤلمة ، لا أعلم كيف تحمّلت البطلة كل ذلك الآلم ، فلقد صدق الراوي عندما وصفها بجبل الصبر .
سأروي لكم ما قرأت :
دق ناقوس الرحيل ، هيا أختاه فقد شاء الله لنا أن نرحل عن مدينة جدنا ،
لم تسأل
كيف ؟ ولماذا ؟
بل كان لسان حالها يقول
سمعاً وطاعة .
وبدأت الرحلة من المدينة ، لم تكن رحلة استجمام ولا فرح بما سيحلّ ، بل كانت رحلة إصلاح وتضرّع ودعاء مصحوبة بألم الفراق المترقّب .
بدأ الرحيل
فقد تركوا ضيافة الله ليكونوا في ضيافة الموت .
وما هي إلّا إيام وجاء النداء ،
اختاه وصلنا ، هاهنا رحالنا ، هذه هي الإرض الموعودة .
لم تسأله عن شيء ، فلقد تعلّمت أن تلبي طلب مولاها ، فأجابته ، سمعاً وطاعة .
نُصبت الخيام ، وبدأ العد العكسي للإيام ،
لم تكن لوحدها ، فهناك من رافقهم في الرحلة ،
صغار و رجال و شباب ونساء، أنصار وأخوة وأبناء وأخوات.
وبدأ إجتماع القوم عليهم من كلِّ حدبٍ وصوب
فقد حاصرتهم جيوش بالآلاف .
هنا ارتفع الصوت
أخي ماذا يريد القوم ؟
فأجابها بكل حنان
إنّهم يطلبونني .
فارتسم الألم في عينيها وبدأ يرسم على وجهها أوّل لوحاته .
مُنع الماء ، الأطفال يصرخون من حولها العطش العطش .
النساء تتضرع لله ، الرجال متأهبون للنزال ، ليس ذلك وحسب بل يتسابقون ليبرزوا أمام الأعداء ، وهي تنظر لكلّ ذلك.
والألم يرسم على وجهها لوحة تلو أخرى ، حتى بدأت تتغير ملامحها وهي صابرة
لا تبوح عن تلك الآلام مع إن أثره بدأ يظهر على محيّاها .
وجاء اليوم المنتَظر ، وبدأ النزال ، حتى الظهيرة.
لم تتحمل ، تريد أن تعرف ماذا حلّ بأخيها ،
فلم تجد سوى تلٍّ فصعدته وهي تناديه والألم مستمرٌ برسم لوحاته، لم ينفك عن الرسم ولم يتحنّن عليها، وكإنّه عدوٌّ لها، لكنّها اتخذت من الصبر جلباب وتحمّلت .
للأسف لم يأتِها أيّ جواب .
فاعتصر قلبها مجدداً
وبعد طول انتظار .
إنجلت الغبرة فرأت أنياب الباطل كيف انغرست بجسد أخيها ثم رضّت جسده حتى لم يبقَ في جسده الطاهر جزء لم تصبه السهام والرماح والسيوف
وأخذ الباطل يحز النحر والنحر يأبى ، فقد كان موضعاً لتقبيل سيد الكائنات ،
لكن الباطل مصرٌ على قطع الرأس فقطعه من القفا .
والألم مستمر
وا ويلاه
إيها الألم توقف ولو لحظة عن الرسم
فأنياب الباطل وانت أثقلتما الجراح في قلب مولاتي ،
رفقاً بها .
للأسف لا حياة لمن تنادي
وهنا جاء الصوت
لكنه صوتٌ لحقود
هيّا لنرحل
فبعد جلباب الصبر لبست جلباب الشجاعة والكبرياء وقالت
الى أين إيّها الحادي ؟
فأجابها بكل حقد الى الشام
فتصبّرت وصَبّرت كلّ من بقي معها
وبدأ الرحيل ، ولكنه مختلف عن الرحيل الأوّل فقد تبدلت الرجال بأشباه الرجال .
وصاح الهاتف
تلك ابواب الشام
وقد بانت الأفراح على أهلها
وهنا بدأ الألم يَعدُّ لوحاته التي رسمها ولكثرتها انصرف عن العد وواصل الرسم في وجهها .
حتى رأت ما رأت من افراح وطبول ورقص
ودخلوا القصر وكان للألم صولة
لكنّها بصبرها انتصرت.وتكلل النصر برجوعها لمدينة جدها .
فعادت لتلك الديار التي رحلت عنها مع أخيها
لكن لم يعرفها أقرب الناس إليها
فالألم لم يترك فيها شيء إلّا وغيّره .
عادت ولكن أيّ عودة فالديار خالية من الرجال ،ولم يبقَ سوى الصغار والنساء ، وقد تكفّلت بهم منذ أن رحل الرجال الى بارئهم ،
ورغم كل تلك الالام بدأت تروي للناس روايات البطولة وحقد الاعداء .
ولكن لم يُطب حديثها للأعداء فجاء الأمر بترحيلها الى الشام مجدداً.
الشام وما ادراك ما الشام
أرض صوبت سهامها الى قلبها المفجوع ولكنّها صبرت حتى جاء أمر الله ،بعد أن أصبحت جبلاً للصبر.
وصعدت روحها الى السماء بعد ذاك الصبر والألم .
وداعاً يا جبل الصبر
وكانت النهاية بالرحيل .
حكاية بدأت برحيل وانتهت برحيل
والصبر والألم ما انفكّا عن بطلة الحكاية ،
فلقد كانت حكاية مؤلمة ، تركت بي أثر ، ليت الجميع يقرأها ، لنتعلم الصبر من جبل الصبر .
ب✍قلم /وجدان الشوهاني