السيدة خديجة بنت خويلد، هي زوجة الرسول محمد (صل الله عليه واله )، حيث تزوجها قبل بعثته الشريفة، وتوفيت قبل الهجرة إلى المدينة، وهي أمّ الزهراء فاطمة (عليها السلام) وأول الناس إسلاما بعد الأمام علي (عليه السلام )، والتي بقي الرسول يذكرها بعد وفاتها، ويودُّ صديقاتها، وكلّ من تربطه علاقة بها؛ لما كان يكنّ لها من حبٍّ شديد، فقد كانت أحبّ انسائه إليه، لما تملك هذه المرأة العظيمة من صفات جليلة وسامية قد أهّلتها لترك أعظم بصمةٍ تركتها امرأةٌ على امتداد التاريخ الإسلاميّ.
منح الله تعالى السيدة خديجة عليها السلام عنها عقلاً راجحاً، وقدراتٍ إداريةً هائلةً، استطاعت توظيفها قبل الإسلام في أعمالها الخاصّة، فقد كانت تاجرةً ذات سمعةٍ عطرة طيبة.والى جانب عقلها الراجح، فقد كانت لها سريرةٌ نقيةٌ صافيةٌ، توَّاقةٌ إلى معرفة الحقّ، والحقيقة، وهذا ما جعلها تُقبِل على الدخول في دين الله تعالى بمجرَّد أن نزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )، وهذا ما جعلها أيضاً تُسخِّر حياتها كلّها لنصرة دين الله تعالى، ونصرة رسوله الأكرم (صل الله عليه واله وسلم).
عُرفت السيدة خديجة في مجتمعها بالطاهرة؛ لشدّة عفتها، وطهارتها، ولهذا، فقد كانت هذه السيدة الشريفة هي اختيار رسول الله (صل الله عليه واله وسلم).، لتكون رفيقة دربه، وشريكة حياته، أخلصت في رعاية بيتها، ودعم زوجها، وتمكينه، وتأييده، ونصرته، فبعد أن آمنت بالله تعالى، وبدعوة رسوله ، فقد أخلصت للفكرة التي آمنت بها، وجاهدت في سبيلها.
لقد اكتسَبَت السيدة خديجةٌ بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحمدية وتفانيها في سبيل الإسلام وبسبب حرصها العجيب على حياة صاحب الرسالة وسلامته وعملها المخلص على انجاح مهمته ومشاركتها الفعّالة في دفع عجلة الدعوة إلى الامام ومشاطرتها للنبي في اكثر ما تحمله من محن واذى بصبر واستقامة وحب ورغبة.
لقد نالت السيدة خديجة الكبرى عليها السلام بفضل كل هذا وغيره مكانة سامية في الإسلام حتّى ان النبيّ ذكرها في أحاديث كثيرة وأشاد بفضلها ومكانتها وشرفها على غيرها من النساء المسلمات المؤمنات وذلك ولا شك ينطوي على اكثر من هدف.
فمن جملة الأهداف التي ربما توخاها النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) من الإشادة بخديجة (عليها السلام) هو الفات نظر المرأة المسلمة إلى القدوة الّتي ينبغي أن تقتدي بها في حياتها وسلوكها في جميع المجالات والأبعاد والظروف والحالات.
هذا مضافاً إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة وهي نصف المجتمع ( إن لم تكن اكثره أحياناً ) من دعم جدي للرسالة مادياً كان أو معنوياً.
فقد ورد الكثيرمن الأحاديث الشريفة عن النبي (صل الله عليه واله) الّتي تعكس مكانة خديجة ومقامها ومدى إسهامها في نصرة الإسلام ودعم دعوته وإرساء قواعده.
عن عكرمة عن ابن عباس قال خطَّ رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) أربع خطط في الأَرض وقال : أتدرون ما هذا؟ قلنا : اللّه ورسولُه أعلم فقال رسولُ اللّه (صـلى الله علـيه وآله) : أفضل نساء الجنة أربع : خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمَّد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون .
عن ابي اليقظان عمران بن عبد اللّه عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان وهو في مسجد رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) فسمعتُه يقول : قال رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) يقول : خديجةُ بنتُ خويلد سابقةُ نساء العالمين إلى الايمان باللّه وبمحمد (صـلى الله علـيه وآله).
أجل هذه هي خديجة بنت خويلد شرفٌ وعقلٌ وحبٌ عميق لرسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ووفاء وإخلاص وتضحية بالغالي والرخيص في سبيل الإسلام الحنيف.
هذه هي خديجة أول من آمنت باللّه ورسوله وصدّقت محمَّداً فيما جاء به عن ربه من النساء وآزره فكان (صـلى الله علـيه وآله) لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له الاّ فرّجَ اللّه عنه بخديجة الّتي كانت تخفف عنه وتهوّن عليه ما يلقى من قومه بما تمنحه من لطفها وعطفها وعنايتها به (صـلى الله علـيه وآله) في غاية الاخلاص والودّ والتفاني.
ولهذا كانت وفاتها مصيبة عظيمة أحزنت رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) ودفعته إلى أن يسمّي ذلك العام الّذي توفي فيه ناصراه وحامياه ورفيقا آلامه ( زوجته خديجة بنت خويلد وعمه المؤمن الصامد الصابر أبو طالب (عليهما السلام) ) بعام الحداد أو عام الحزن وان يلزم بيته ويقلّ الخروج وأن ينزل (صـلى الله علـيه وآله) عند دفنها في حفرتها ويدخلها القبر بيده.
هذه هي السيدة خديجة عليه السلام التي لما دعاها الرسول الاكرم (صـلى الله علـيه وآله) إلى الايمان أجابت طوعاً ولم تحوجه لرفع صوت ولا منازعة ولا نصب بل ازالت عنه كل تعب وآنسته من كل وحشة وهوّنت عليه كل عسير فنالت هذه المنزلة العظيمة التي لم تنالها أي زوجه من زوجات الرسول فكانت المراة التي تركت بصمة في سجل التاريخ .
بقلم : منى السعيدي