اكتب إليك ….
ليست مجرد أحرف ننطقها بل أعتقاد أمي و أحساسها ونحن من نترجم هذا الأحساس العظيم …..
♦️ساعدك الله يا أبي
ما أن يعود من العمل حتى يتهافت كل افراد العائلة ليقولوا له (ساعدك الله يا ابي )
فكنت اتسائل لمَ يجب علينا ان نقولها لأبي عند عودته من العمل ولطالما أردت أن أسأل أمي لانها هي من كانت تحفزنا لقولها لوالدي وكإن العبارة قانون مفروض لا يمكن مخالفته بل أكثر من ذلك كانت تحثنّي مع صغر سني على استقباله
فبيتنا على مقربة من الشارع العام حيث كان أبي يأتي من العمل فكنت انتظره ومعي اختي التي كانت تصغرني سنّاً لنقف ننتظره فقد كان يتميز بأنضباط المواعيد
كم كان دقيقاً فيها بشكل يدعو للعجب .
وبمجرد ان ينزل من الحافلة يراني واختي بإنتظاره
لنقول له (ساعدك الله يا أبي )
فكانت ابتسامته رائعة حين سماعه لتحيّتنا له وكأن العبارة قد اغرقته فرحاً وازالت كل علامات التعب والارهاق التي اجتاحت وجهه الجميل وشيبته البيضاء
فيأخذ بيدي من جانب ويأخذ بيد اختي من الجانب الاخر
فاستشعر الاطمئنان وهو يمسك بيدي الصغيرة وكأن العالم كله سيركع لي لأن ابي معي … كنت أميرة
فكان منظرنا يسر الناظرين لنا من الجيران حينما يسير ونحن معه حتى نصل لبيتنا وندخل سوية فتستقبلنا أمي لترحب به فكم شغلتني هذه العبارة وكم اخذت من تفكيري حتى كبرت
وكم كنت اتهامس مع زميلاتي عن طريقة استقبالنا لإبي
فكانوا يتعجبون من ذلك الحوار لإنه مفقود في اغلب بيوتهم
ومرةٌ سألت امي
لمَ يجب أن نقول هذه العبارة لأبي
فكانت تجيبني وهي تبتسم
صغيرتي
إنّ أباكِ كان في عملٍ متعب فيحتاج ما يهوّن عليه التعب من احب الناس أليه
وأحبُ الناس لقلب ابيكم هم انتم اولاده فلذات الأكباد وبالخصوص الصغار
حبيبتي الصغيرة بقولك له (ساعدك الله يا ابي ) سيذهب كل التعب ادراج الرياح بالإضافة لإمور أخرى.
لم يقتنع عقلي الصغير بقول أمي
فكنت اقول لها
كيف للتعب أن يزول بعبارة صغيرة
وما هي تلك الأمور الاخرى
فتعود أمي لابتسامتها
لتقول ما زلتِ صغيرة متى ما كبرتي ستفهمين قولي
فتركت السؤال واستمرت الحياة بشكلها الذي رسمته أمي لنا
وفجأة رحل أبي بحادث مؤسف ليفارق الحياة أثر ذلك الحادث
وحينها غادرت تلك العبارة بيتنا
وتركت فراغاً كبيراً في حياتي حتى كبرت وصرت اعي الأمور وأعقلها ولكن العبارة لم تفارق تفكيري الذي اكتشف اسرار تلك العبارة
ومن تلك الاكتشافات
وجدت إن العبارة ليست فقط كانت تسعد والدي عند سماعها وتشعرني بالاطمئنان بل اكتشفت إنّها كانت تربطني وتشدني نحو والدي بشكل عجيب حتى وهو ميّت فمع كون فقدان والدي قد مرّ عليه زمن طويل
لكن ما زلت استذكر أبي بتلك العبارة
فمتى ما أردت استشعار وجوده كنت افتش في ماضي الطفولة لاستدرج من وحيها عبارة (ساعدك الله يا ابي) فيغمرني احساس بأن ابي ما زال موجود وسيمسك يدي لأطمأن
وعندها عرفت
لماذا كانت تحثنّا أمي على قولها لأبي
وكأنها أرادت ان تجعل الاطمئنان مستمر لتضمن تماسك العائلة حتى مع رحيل الأبوين هذا ما اكتشفته
كم هي رائعة امي
فتلك للاداب التي ربّتنا عليها قد تركت في حياتنا الشيء الكثير
فتلك العبارة كانت تعطي لأبي الرمزية في البيت كما إنّها تخلق جواً من الاحترام بالإضافة الى الأمور المعنوية التي يستشعرها أبي بعد يومٍ متعب من العمل
اما الاطمئنان والتماسك الأسري الذي كنّا نعيشه فلا يمكن ان تحويه الكلمات مهما عبّرنا عنها
هكذا كانت أمي تربيّنا
فوحي طفولتي جميل حتى انعكس ذلك الجمال في كبري
أمي تستحقين أن تكون الجنّة تحت قدميكِ
لإنكِ مدرسةٌ الهية وهبها الله لنا
سأكون كأمي وازرع الاحترام والاطمئنان في عائلتي
إن تماسك العائلة هو الخطوة الاولى لتماسك المجتمع
فالبنيان المرصوص يبدأ من الاسرة والأم والاب هم مَن عليهم أن يضعوا الحجر الأساس لذلك البنيان
فالقيادة الحقيقية هي من ترسم طريقا صحيحا لجمهورها
ومازال قلمي يرسم اللوحة التي رسمتها أمي بالأحترام ولونها أبي بالحب، ويخط فضلهما في تنشئة هذه العائلة المميزة
✍ بقلم / وجدان الشوهاني