الله صانع هذا الكون العظيم والقادر على كل شيء قد خلقه بدقة وإبداع لا زيادة فيه ولا نقصان ولا عيب ولا اعوجاع وعلى هذا النظام تجري سنن مخلوقاته والتي جعل أعظمها شرفا ومكانا هم بنو البشر الذين ما زادوا بذلك التشريف الا بعد الخضوع والتسليم لقوانين الله المرسومة فلا مجال للزيف والانحراف ولا السير خلف الأهواء الباطلة ومن انحرف عنها غرق في محيط العدم حيث يلتقي المعاندون والكفرة من الخلق لا محال ومن لطف الله تعالى بعباده ان اصطفى لهم القادة والهداة منذ نبينا آدم عليه السلام حتى يومنا هذا حيث كلما تقدم الزمن ومرت العصور بعث الله الأنسب والأكمل والمعد إعدادا سماويا بما يناسب العصر والتقدم البشري حتى أُعتصرت زهرة النبوة والرسالة في الخاتم الأكمل محمد المصطفى صلى الله عليه وآله الرحمة الإلهية والآية السماوية التي رسمت خط العدالة الإلهية لكل البشر ومن عين تلك العدالة بزغت شمس عترته الطاهرة عليهم أفضل الصلاة والسلام والذين جُعلوا مرآة الله التي تُظهر جماله وكماله وقدرته ، فقد جعل الله تعالى لعترة نبيه الخاتم الولاية التكوينية وقدرة التصرف في الكون بمشيئة الواحد الأحد ولما يقتضيه الكون من قائد له فقد قال الله تعالى((وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)) فإن قال الحق سبحانه كل شيء فهل يبقى شيء؟ ومن باب هذا التصرف والقدرة المطلقة والتي تقل للشيء كن فيكون جاءت الكرامات والشفاعة الالهية في قضاء الحوائج لمن احتاجهم عليهم السلام والتوسل عند الله بحقهم ولكن؟ هنا اضع يدي على هذه النقطة بالذات وانطلق بموضوع بحثي والذي استلهمته من خطاب المرجع الشيخ اليعقوبي دام ظله في الموازنة بين الدين والأسباب فهناك من يلتبس عليه الامر ويضع هذه القدرة المطلقة لاهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة في ميزان الفكر المختلف
فأما السليم منه فيعلم ان القدرة الالهية في الاشياء ليست محلا للتفعيل في كل وقت وحين وانها خاضعة للأسباب والمشيئة الالهية التي هي عين الحكمة والصواب سواء كانت تلك المشيئة رحمة أو عذاب او ابتلاء كما وقع على اهل بيت الرحمة أنفسهم من محن وابتلائات هذا من جانب ومن جانب اخر أن الله تعالى وضع الإنسان في موضع التخيير في العمل بما ينفعه وما يجنبه الضرر وعلى هذا الاساس فليعش حياته وليس من الايمان في شيء أن نندفع للأهواء ونعاند الاسباب ومسبباتهما ونرمي انفسنا للتهلكة ثم نقول: هذا وقتكم يا اهل بيت النبوة بدفع الضر عنا اذا ما احتجناكم من دون أن ناخذ الحيطة والحذر!! فلا نستمع لأهل العلم والاختصاص فيما نتعرض له من مشاكل ومن أهمها الصحية طبعا كالمشكلة المطروحة اليوم بما يسمى “وباء كورونا “فنرى البعض من الصور لمن يقولوا أنهم اتباع المعصومين عليهم السلام تخرج منهم تصرفات يخاطرون بها بحياة الناس وحياتهم! ونرى تكتل المجاميع منهم في المكان الواحد كما حصل في الزيارة الكاظمية متعصبين على كل ناصح ورادع بحجة أن إيمانهم وعقيدتهم في أهل بيت النبوة تفوق كل المخاطر! وهذا ما يسمى بالجهل المركب والذي يعتقد اصحابه أنهم عالمون بينما هم جاهلون ويشوب ايمانهم الكثير من الشائبات فالمؤمن يجب ان يكون معتدلا في الفكر فلا يُفْرط ولا يُفرِّط وبهذا الصدد اذكر خطابا للإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة حيث قال: ” لا ترى الجاهل إلا مفرطْا أو مفرِّطا ” فالإفراط الشيء الزائد عن حده والتفريط الإهمال وعدم الإهتمام ولا هذا ولا ذاك في شيء من الدين لأن الإسلام دين الوسطية والإعتدال وربط الأسباب بمسبباتها والعيش مع متطلبات هذا الكون وما يخضع له من ظروف وتقلبات في الطبيعة والعقل هو مقياس التمييز ما بين الصائب والخاطئ والحق والباطل.
ولقد بدات مقالي بالصنعة الالهية التي لا اعوجاج فيها لما رسم الله لنا من طريق معتدل في كل شؤون الحياة، وعندما نؤمن في الوسطية الاسلامية و الموازنة ما بين الدين والأسباب ننطلق في الحياة برؤية متكاملة نعيش من خلالها بسلام واطمئنان تحت جناحي العدل الإلهي والقانون الذي رسمه منذ خلق البشرية على وجه هذه البسيطة ونسير على ما أنزله الله تعالى وجاء به رسوله صلى الله عليه واله الى يوم الدين.
المبلغة / نورا هاشم مجوت
فرع القرنة.