في ليلة رمضانية، القمر متألق في السماء تحيطه هالة شفافة من النور، النجوم تشتد سطوعا، ليلة قرت فيها العيون، وطفحت افراح القلوب، هاهو السبط الاول لرسول الله صلى الله عليه وآله يشق استار الحجب ليشع نوره في الاجواء، قبس من قبسات التجلي الالهي، انبثق نوره ليكون منارا وعلما وهاديا.
الامام الحسن عليه السلام وريث الامامة وحامل لواء الرسالة، عاش سنوات قليلة مع جده المصطفى في كنف الرسالة يشم عبق النبوة وأريج الجهاد المتواصل، لقد كانت السنين الاولى من حياته حافلة بالبهجة والسعادة بين ابوين عظيمين وفي احضان جده النبي صلى الله عليه وآله، يلقنه الحكمة ويبث في روحه من اسرار السماء مايؤهله للأمامة التي تنتظره بعد أبيه…
كان للأمام الحسن عليه السلام هيبة الملوك وصفات الانبياء ووقار الاوصياء، وهو احد الاربعة الذين باهى بهم رسول الله نصارى نجران، ومن اصحاب الطهر الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأحد الثقلين اللذين من تمسك بهما نجا ومن تخلف عنهما ضل وغوى.
اجتمعت في امامنا الحسن عليه السلام عناصر الخلق العظيم والادب الرفيع التي ورثها من سلالته الطاهرة، كان من أعبد الناس في زمانه، فالعبادة بالنسبة اليه تعتبر لقاء روحي مع الملكوت الاعلى وأرتياح مطلق في الفكر والقلب، ولذلك روي انه عليه السلام كان اذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، ولما سئل عن السبب قال :حق على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله.. ويروى أنه حج خمسة وعشرين حجة ماشيا على قدميه وكان يقول :اني لاستحي من ربي ان القاه ولم أمش الى بيته “1.
فنلاحظ ان المعصوم عليه السلام يعلمنا ان العبادة تعني ان تعيش الخوف والخشيةمن الله تعالى في نفسك دائما.
وقد روي المؤرخون عن تواضعه وحلمه وكرمه العديد من الروايات، نذكر بعضها لاخذ الدروس والعبر.
ومن ذلك انه عليه السلام إجتاز على جماعة من الفقراء وقد جلسوا على التراب يأكلون خبزا كان معهم فدعوه الى مشاركتهم فجلس معهم وقال :ان الله لا يحب المتكبرين، ولما فرغوا من الاكل دعاهم الى ضيافته فأطعمهم وكساهم وأغدق عليهم من عطائه. وروي المحدثون عنه إنه اتاه رجل في حاجة فقال له :اكتب حاجتك في رقعة وارفعها الينا فكتبها ورفعها اليه فضاعفها له، فقال له بعض جلسائه :ما كان اعظم بركة هذه الرقعة عليه يا ابن رسول الله، فقال:بركتها علينا اعظم حيث جعلنا للمعروف اهلا، اما علمتم ان المعروف ما كان ابتداء من غير مسألة، فأما اذا أعطيته بعد مسألة فأنما أعطيته بما بذل لك من وجهه وعسى ان يكون بات متململا ارقا يميل بين اليأس والرجاء…” 2. وسأله رجل فأعطاه خمسين الف درهم وخمسمائة دينار وقال له :إئت بمن يحملها لك، فأتى بحمال فأعطاه طيلسانه وقال :هذا كرى الحمال “3.
اما عن حلمه عليه السلام، فقد مر به رجل من أهل الشام ممن غذاهم معاوية بالحقد والكراهية لعلي وآله، فجعل للأمام الحسن عليه السلام السب والشتم، والامام ساكت لا يتكلم وهو يعلم بأن الشامي لايعرف عليا وآل علي الا من خلال الصورة التي كان معاوية يصورهم بها وعندما انتهى الشامي من حديثه بما فيه من صلف وفظاظة ابتسم اليه وتكلم معه باسلوب هادئ متجاهلا كل ما سمع وما رأى، وقال :ايها الشامي اظنك غريبا فلو انك سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا ارشدناك، وان كنت جائعا اطعمناك، وان كنت محتاجا أغنيناك، أو طريدا آويناك، ومضى يتحدث الى الشامي بهذا الاسلوب الذي يفيض بالرحمة والعطف حتى ذهل الشامي وسيطر عليه الحياء والخجل وجعل يتململ بين يديه يطلب عفوه وصفحه ويقول :الله أعلم حيث يجعل رسالته. ” 4
وهكذا كان امامنا الحسن عليه السلام في جميع مواقفه مثالا للخلق الاسلامي الرفيع وقد قابل جميع حساده وخصمائه بالصبر والصفح الجميل، وليس ذلك بغريب عمن نشأ وترعرع في بيت الوصي والتنزيل.فكان صلدا كالجلاميد ،مشرقا كالبروق.فحقا على كل مسلم وموالي ان يقتدي بهذا العملاق العظيم ويجعله مثلا اعلى في جميع حركاته وسكناته.
بقلم : صفية الجيزاني
……………………
1-المنتخب من سيرة المعصومين ص176
2-سيرة الائمة الاثنى عشر ص466
3-نفس المصدر
4ـنفس المصدر